وقف إطلاق النار الهش بين إيران وإسرائيل- سلام أم مجرد هدنة؟

المؤلف: محمود سلطان08.27.2025
وقف إطلاق النار الهش بين إيران وإسرائيل- سلام أم مجرد هدنة؟

عقب ساعات قليلة من الهجوم الإيراني المباغت على قاعدة العديد الجوية في قطر، صعق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العالم بإعلانه، وبشكل مفاجئ وغير متوقع، عن التوصل إلى اتفاق تاريخي لوقف إطلاق النار بين كل من إسرائيل وإيران، مؤكدًا على أن هذا الاتفاق سيدخل حيز التنفيذ خلال ساعات معدودة. وفي لفتة إنسانية مؤثرة، ابتهل ترامب إلى الخالق عز وجل بأن "يحمي تل أبيب وطهران" من ويلات الحروب والصراعات.

جدير بالذكر أن إيران كانت قد أطلقت، مساء يوم الاثنين الموافق 23 من شهر يونيو/حزيران، نحو 19 صاروخًا باليستيًا على قاعدة العديد الجوية، معلنةً أن هذا الهجوم يأتي ردًا على قيام الولايات المتحدة بقصف ثلاث منشآت تابعة لبرنامجها النووي في مساء يوم السبت. جاء ذلك بعد أيام من حالة من "الغموض" الشديد بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة ستنخرط في العمل العسكري الإسرائيلي ضد إيران، والذي كان قد بدأ في 13 من شهر يونيو/حزيران الجاري.

وقد أدانت دولة قطر بشدة هذا الاعتداء الغاشم، معربةً عن استنكارها الشديد لهذا التصعيد الخطير الذي يهدد أمن واستقرار المنطقة بأسرها، وسط حالة من التضامن العربي والدولي الواسع مع دولة قطر.

وعلى إثر هذه التطورات المتسارعة، أجرى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان اتصالًا هاتفيًا بأمير دولة قطر، صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، يعرب فيه عن أسفه العميق إزاء الهجوم الذي نفّذه الحرس الثوري الإيراني على قاعدة العديد الجوية مساء يوم الاثنين، مؤكدًا أن هذا الهجوم لم يكن موجهًا بأي حال من الأحوال ضد دولة قطر أو شعبها الكريم، وذلك بحسب ما أفاد به الديوان الأميري القطري.

وأشار الديوان الأميري إلى أن سمو الشيخ تميم قد جدد، خلال هذا الاتصال الهاتفي، إدانة بلاده القوية لهذا الاعتداء السافر، معتبراً إياه انتهاكًا صارخًا للسيادة القطرية ومجالها الجوي، ومخالفة صريحة للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

كما أكد أمير دولة قطر على أن هذا التصرف يتنافى تمامًا مع مبدأ حسن الجوار والعلاقات الوثيقة التي تربط البلدين الشقيقين، مذكراً بأن دولة قطر لطالما دعت إلى الحوار البناء مع إيران، وبذلت جهودًا دبلوماسية حثيثة وكبيرة في هذا الإطار.

وفي خضم أجواء التوتر والقلق التي سادت المنطقة، تحدث الرئيس ترامب بكل ثقة، من خلال تقديم "تهنئته الحارة للبلدين" على "امتلاكهما القدرة الفائقة على التحمل والشجاعة النادرة والذكاء الحاد لإنهاء ما ينبغي أن يسمى بحق "حرب الـ 12 يومًا"، وذلك كما كتب على حسابه الشخصي على موقع تورث سوشيال، وكأنه قد وضع قُفلًا محكمًا على الطرفين، واحتفظ بمفتاحه في جيبه وحده. وقد اتفقت كل من إسرائيل وإيران، على الالتزام الكامل بوقف إطلاق النار، على الرغم من أنهما أكدتا على أنهما ستردان بقوة وحزم على أي خرق لهذا الاتفاق.

وإذا ما صمد وقف إطلاق النار هذا ــ وهو أمر غير مؤكد إلى حد كبير في ظل الأجواء المتوترة ــ فإن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل يشير هذا الاتفاق إلى بداية حقبة جديدة من السلام الدائم والاستقرار المنشود، أم أنه مجرد هدنة مؤقتة وقصيرة الأجل قد يعقبها تجدد القتال مرة أخرى؟

وحتى هذه اللحظة، لم يصدر من أي جهة رسمية ــ سواء من واشنطن أو طهران أو تل أبيب ــ أية تفاصيل دقيقة بشأن فحوى ما تم الاتفاق عليه لوقف هذه الحرب المدمرة، غير أن وكالة أسوشيتد برس للأنباء قد نقلت عن مصادر وصفتهم بـ "المسؤولين" قولهم، إن النتيجة التي تفضلها إسرائيل بشدة، هي موافقة إيران الصريحة على وقف إطلاق النار بشكل كامل، واستئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية، بشأن برنامجها النووي المتنازع عليه.

ومع ذلك، فإن إسرائيل مستعدة أيضًا للبديل الآخر: وهو الدخول في صراع طويل الأمد ومنخفض الحدة، أو فترة من "الهدوء مقابل الهدوء"، حيث ستواصل إسرائيل مراقبة النشاط الإيراني عن كثب وبكل دقة، والرد بقوة وحسم إذا ما ظهرت أية تهديدات جديدة.

من الواضح إذن، أن هذا الاتفاق قد تم إنجازه على عجل، بالقفز فوق الكثير من التفاصيل الهامة، وذلك بدافع اللهفة الشديدة من الأطراف الثلاثة، على الخروج السريع من هذه الأزمة الطاحنة، وحفظ ماء الوجه أمام الرأي العام، والاتفاق على أن يبدأ الطرفان في اليوم التالي، غلق صفحة الحرب بالتراضي والتفاهم، وفتح صفحة جديدة من السلام والتعاون، لا سيما وأن البلدين قد استنزفا بشكل كبير، الأمر الذي يهدد قدرتهما على التماسك والاستمرار في الحرب إلى ما لا نهاية.

والحقيقة أنه حتى الآن، فإن إيران لم تنكسر بالكامل، كما أن إسرائيل لم تنتصر بشكل حاسم، الأمر الذي يشجع إيران "المجروحة" ــ تحديدًا ــ على قبول إنهاء هذه الحرب، دون تكبد أضرار كبيرة تخصم من شرعية نظامها السياسي.

ولعل ذلك هو ما حمل الجميع، على تعليق الكثير من التفاصيل الدقيقة، إلى وقت لاحق لم يحدد بعد، فوقف إطلاق النار جاء على شرط أساسي واحد، وهو أن تتوقف العمليات العدائية بين الطرفين بشكل فوري، ولم يشر إلى جوهر الأزمة وصلبها وهو "المشروع النووي الإيراني"، وماذا سيكون مصيره؟!

لا سيما وأن تقارير متواترة، ترجح أن إيران، تحتفظ بالفعل بكميات كبيرة من اليورانيوم عالي التخصيب، الأمر الذي يمنحها القدرة على صنع أسلحة نووية في أي وقت تراه مناسبًا، إن لم تكن قد صنعتها بالفعل، على الرغم من الأضرار التي لحقت بمنشآتها النووية.

فبعد وقت قصير من سريان وقف إطلاق النار، اتهم وزير الدفاع الإسرائيلي، إيران بشن هجمات صاروخية، وأمر قواته بالرد عسكريًا. في المقابل، نفى منشور على قناة تليغرام التابعة للتلفزيون الرسمي الإيراني إصدار أي أمر بإطلاق الصواريخ.

ويكاد يجمع المراقبون، على أن أي اتفاق لوقف إطلاق النار بين طرفين متنازعين، يظل هشًا وغير مستقر ما لم يستوفِ الشروط الأساسية، التي خلصت إليها دراسات الحرب المعاصرة، إذ يميل السلام إلى الصمود والاستمرار في ظلّ أحد شرطين رئيسيين: إما الهزيمة الكاملة والساحقة لأحد الطرفين، أو إرساء ردع متبادل ومستدام.

وهذا يعني امتناع الطرفين عن القيام بأي عمل عدواني؛ لأنّ التكاليف المتوقعة للردّ ستفوق بكثير أيّ مكاسب محتملة، كما يقول تقرير لـ the conversation كتبه علي المعموري.

كما تتطلب عمليات وقف إطلاق النار المستقرة عادة، قدرًا كبيرًا من التحضير والإعداد المسبق، حتى يعرف الجميع على الجانبين، ما الذي يفترض أن يحدث بالضبط، والأهم من ذلك، متى سيحدث هذا الأمر.

وبدون مثل هذه الاستعدادات المسبقة، وأحيانًا حتى مع وجودها، فإن وقف إطلاق النار، سوف يميل إلى الاختراق والانهيار؛ ربما عن طريق الصدفة البحتة، أو ربما لأن أحد الجانبين لا يمارس السيطرة الكاملة على قواته، أو ربما نتيجة للإنذارات الكاذبة، أو حتى لأن طرفًا ثالثًا ــ جماعة حرب عصابات أو مليشيا مسلحة، على سبيل المثال ــ اختار تلك اللحظة بالذات لشن هجوم من جانبه.

والسؤال المهم الذي يطرح نفسه هنا هو: ما إذا كان خرق وقف إطلاق النار، مجرد أمر عشوائي ومؤسف، أم إنه متعمد ومنهجي؟ – بمعنى آخر، هل يحاول شخص ما انتهاكه بنشاط وخبث؟

وفي كل الأحوال، لا بد من تعزيز وقف إطلاق النار، سياسيًا ودبلوماسيًا طوال الوقت، إذا أردنا له أن يصمد ويدوم. وعادة ما يتفق الطرفان على كيفية مراقبته والإشراف عليه حتى لا يتمكن أحد الجانبين من انتزاع ميزة سريعة عن طريق كسره فجأة، على حد تعبير المحلل العسكري والأستاذ في كلية كينغز لندن، مايكل كلارك.

وفي هذا السياق، فقد أعادت هذه الحرب الأخيرة تشكيل الطريقة التي تنظر بها كل من إيران وإسرائيل إلى الردع، وكيف تخططان لتأمينه في المستقبل المنظور.

بالنسبة لإيران، فقد عزز هذا الصراع الاعتقاد الراسخ بأن بقاءها على المحك. ومع مناقشة تغيير النظام علنًا خلال الحرب، بدا قادة إيران أكثر اقتناعًا من أي وقت مضى بأن الردع الحقيقي يتطلب ركيزتين أساسيتين لا غنى عنهما: القدرة على امتلاك الأسلحة النووية، وتعميق التحالف الإستراتيجي مع كل من الصين وروسيا.

ونتيجة لهذا، فمن المتوقع أن تتحرك إيران بسرعة فائقة لاستعادة وتطوير برنامجها النووي، بل وربما تتحرك نحو التسلح الفعلي، وهي الخطوة التي تجنبتها منذ فترة طويلة، رسميًا.

وفي هذا السياق، فمن المرجح أن تُسرّع طهران تعاونها العسكري والاقتصادي مع كل من بكين وموسكو تحسبًا لعزلتها الدولية المتزايدة. وقد أكّد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي هذا التعاون الوثيق مع روسيا خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو هذا الأسبوع، لا سيما في المسائل النووية الحساسة.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ترى إسرائيل أن الردع يتطلب يقظةً دائمةً، وتهديدًا حقيقيًا بردٍّ ساحق وقاتل. وفي غياب أي اختراقات دبلوماسية في الأفق، قد تتبنى إسرائيل سياسةَ توجيه ضربات استباقية فورية للمنشآت الإيرانية الحيوية، أو الشخصيات القيادية البارزة إذا ما رصدت أي تصعيد جديد، لا سيما فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني.

ويعتقد على نطاق واسع أن الردع المتبادل قد يمنع اندلاع حرب أطول أمدًا في الوقت الراهن، ولكن هذا التوازن يظل هشًا للغاية وقد ينهار دون سابق إنذار، كما يقول تفصيلًا تقرير Ali Al-Amouri في conversationtd the.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة